الصَّبر والحكمة في تربية الأولاد

وعود شائعة يقطعها الأهل ولا ينفذونها
وعود شائعة يقطعها الأهل ولا ينفذونها
December 31, 2014
124164_rozne_owoce
تأثيرات سوء التّغذية في التّحصيل الدّراسيّ
January 28, 2015
Show all

الصَّبر والحكمة في تربية الأولاد

قد يحلو للبعضُ أن يفاخر بنفسه ويعتدّ بها، فهو قد ربّى أولاده على الانضباط، والتزام الأوامر، والتقيُّد بالتّعليمات.. ولذلك، فالأسرة قويّة متماسكة في نظره. ولكنّ هذا البعض قد ينسى أو يتناسى، أنَّ هذه الأساليب المتَّبعة في تربية الأولاد، والمبالغ فيها في كثيرٍ من الأحيان، قد تنعكس سلباً على الأولاد في المستقبل، وتعطي نتائج عكسيَّة، حيث تؤثِّر في أمزجتهم ونفسيّاتهم وسلوكيّاتهم، وتجعل منهم مجرَّد أدوات ملقّنة ومطيعة ومنفِّذة للأوامر، تغيب عن شخصيَّتها عناصر الفعل والتّأثير والاستقلاليّة، وتبتعد بالتّالي عن أجواء الانفتاح والحوار والمناقشة؛ هذه العناصر المهمَّة التي تحتاجها أيّ شخصيّة في أيّ زمن ومكان.

الإفراط من قبل الأهل في ضبط أولادهم، وحثّهم على التزام التّعاليم والأوامر، يجعل منهم أولاداً انطوائيّين منعزلين عن المجتمع والحياة، لا يشعرون بكثير من الثّقة بأنفسهم، فهم قد اعتادوا التّنفيذ، ولم يُسمح لشخصيَّتهم بأن تنمو بالشَّكل الطبيعيّ، في بيئةٍ معتادةٍ على النّقاش الهادئ، والحوار الهادف الّذي يدرّبهم على الشّعور بإمكاناتهم وطاقاتهم.

لذا، على الآباء والأمّهات أن يُحسنوا تربية الأولاد، ويختاروا الأسلوب المناسب والفاعل لذلك، وأن يكونوا الليِّنين حيث ينبغي، والمتشدّدين حيث ينبغي، وأن يعطوا فسحةً من العاطفة والحنان لأولادهم، ويبتعدوا عن المبالغة في القساوة والخشونة، كي لا يتحوّل البيت الأسري إلى مكان للأوامر والعواقب والمواجهات، وتغيب عن أركانه قيم التفاهم والودّ والحوار والهدوء.

هنا، لا بدَّ من التنبُّه إلى مخاطر تحوّل الأولاد إلى قنابل نفسيّة موقوتة، تعاني الانكسار والضّعف والعقدة، بحيث يزرعُ الأهل ثقافة التسلُّط في نفوسهم الطريّة، التي تبحث عمّن يزوّدها بعناصر الثّقة والعاطفة والأمل، ويعلّمها ثقافة النقاش والحوار.. على الأهل أن يعلموا أنَّ أولادهم أمانة للحياة والمجتمع، وليسوا ملكاً شخصيّاً لهم، ولا مجرّد حقول تجارب يفرغون فيهم أوامرهم وخلفيّاتهم وعاداتهم. الأهل مسؤولون عن صناعة جيل الحاضر والمستقبل، وبقدر ما يكونون الأمناء والرساليّين في تربية الأولاد، ويزرعون فيهم حسّ المسؤوليّة والانفتاح والمحبّة، فإنهم يزوّدون المجتمع برجال أصحّاء أكفّاء، أحرار، أصحاب إرادة قويّة وشخصيّة منفتحة وفاعلة.

تصوّر أنَّ بعض الأهل يحرمون أولادهم من ممارسة هواياتهم، أو حتى من الطّعام والشّراب، أو من مصروفهم اليومي، إذا أصدروا صوتاً، أو قاموا بحركةٍ معيّنةٍ، أو تمادوا في اللّعب، أو طلبوا، مثلاً، غرضاً معيَّناً، حتى إنّ الأمر يصل إلى حدِّ قمع حريّتهم، فتتمّ مساءلتهم الدّقيقة عن كلّ صغيرة وكبيرة حدثت معهم.

إنها ديكتاتوريَّة لا تنفع في مجال التربية، الّتي تحتاج إلى هدوء الأعصاب، وإلى الصَّبر والوعي والحكمة في كيفيَّة توجيه الأولاد وتربيتهم، دون المساس بشخصيَّتهم وإيذائها، فعلى الأهل أن يعلموا أنَّ الولد لديه شخصيَّة لا يجوز جعلها نسخةً طبق الأصل عنهم في قساوتهم وحدَّة أمزجتهم، فهذا يتسبَّب بضررٍ فادحٍ للولد والأهل والمجتمع لاحقاً.

تخيّل أنَّ بعض الأهل يدفعون ببعض أولادهم إلى التجسّس على أخوتهم، بغية مراقبتهم، ولا يدرون أنَّ هذا التّصرّف سيحطّم الأولاد، ويجعل منهم في المستقبل جواسيس، لا يحترمون الخصوصيّات، ولا يحفظون الأسرار.

وفي السّياق ذاته، يقول المرجع السيّد محمد حسين فضل الله(رض): "إنّنا قد نفرض على الطّفل الكثير من القيود، عندما نجعله يتحرّك بين هذه الجدران، ضمن نظام صارم متزمّت، يكبت ضحكته، ويكبت فرحه ومرحه ولعبه، ما قد يؤثّر تأثيراً سلبياً كبيراً في شخصيَّته، الأمر الَّذي قد يحمله على الشّعور بالحاجة إلى الهرب من البيت، كما يرغب السّجين في الهرب من جدران سجنه.

لذا، فإنَّ إشاعة جوّ الفرح، قد تمنح الطّفل الرّاحة والطّمأنينة في البيت، عندما يجد جوّه الطّبيعيّ فيه.. إنَّ قوّة القمع قد تدفع الطّفل إلى أن يحسب حساباً للأهل في تصرّفاته، ولكنّه حساب من لا يقتنع بشيء، وحساب من يفكّر في التّمرّد على القمع.. إنَّ السّلوك الّذي ينطلق من الخوف، سوف يتحوَّل إلى حالة عكسيّة عند ارتفاع الخوف كضابطٍ له".

ويتابع سماحته(رض): "… عندما نتحدَّث عن الأسرة بشكلٍ خاصّ، بعيداً عن الخطّ العام للقيم الّتي لا بدَّ من توافرها في كلّ خليّة من خلايا المجتمع، فإنّنا نتصوّر أنَّ على من يضطلع بدور المربّي، أن يتصوَّر نفسه فلاحاً يشرف على الزّرع، فيعطيه ما يمكن أن يسهِّل نموّه الطّبيعيّ من عناصر يحتاجها، كي يحقّق النّتائج التي تُراد منه، ذلك أنَّ الله تعالى عبَّر عن مسألة الخلق والأولاد بالنَّبات، عندما تحدَّث عن مريم(ع): {فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنبَتَهَا نَبَاتاً حَسَناً}[آل عمران: 37]، وفي آيةٍ أخرى: {وَاللَّهُ أَنبَتَكُم مِّنَ الْأَرْضِ نَبَاتاً}[نوح: 17]. [دنيا الطّفل، ص 93 ـ 98].

على الأهل أن ينتبهوا إلى أساليب التربية، وأن يسلكوا مع الأولاد طريق الحكمة والوعي الّذي ينفتح على قلوبهم وعقولهم، بما ينمِّيها في جوٍّ صحّيّ سليم، يؤمِّن صناعة شخصيَّتهم بالشَّكل الّذي يرفد الحياة بكلّ ما يملكون من عناصر قوّة وإبداع.

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. المعلومات الضرورية مشار اليها ب *

You may use these HTML tags and attributes: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>