بقلم: الاستاذة بشرى الخزرجي Feb 2016
يتصرف بعض الآباء بعنف مع أبنائه بزعم أنها الطريقة المثلى للتربية وتقويم السلوك. وهذا ما وقع فيه معظمنا متحملين وزر موروثات مجتمعية شكلت سلوكيات نمطية ولسان حالها يردد: هذا ما وجدنا عليه آباءنا فاعلين. يُضربُ الطفل وتترك على جسده البريء علامة لا تزول بداعي التربية!
والأشد منها إيلاما تلك العبارات الهدامة والألفاظ الجارحة التي يطلقها بعض الآباء، سواء أمام الغرباء او بين أفراد الاسرة الواحدة والتي تبقى عالقة في ذهن الطفل مكونة ندبا وعقدا تدخل في تشكيل شخصيته المستقبلية.
في مجالسنا الوعظية وملتقياتنا الثقافية الحالية كثيرا ما يتحدثون عن ضرورة تمتين العلاقات الأسرية باتباع الأساليب العصرية بالاضافة الى تعاليم الدين، بخاصة علاقة الآباء بالأبناء وذلك من خلال طرق أبواب تفكيرهم والمباشرة في فتح حوارات تراعى فيها مراحلهم العمرية واهتماماتهم اليومية.
ولاشك أن الخلل يحصل عندما يندر التواصل وتقل معرفة الوالدين بطبيعة تفكير أبنائهم وسلوكياتهم خارج المنزل .. في المدرسة مثلا وعندما تتكرر سلوكيات الابن الخاطئة تضطر إدارة المدرسة او المعلم مشاركة الأهل لأجل إيجاد الحل المناسب، وغالبا ما تظهر الفجوة بين الأهل والولد في مثل هكذا مواقف، إذ لا علم لهم بسلوكياته الخاطئة خارج محيط الاسرة!
والبعض من الآباء لا يكلف نفسه عناء البحث في عملية التربية والتعليم بحجة ضيق الوقت، ومنهم من يكتفي بطرح سؤالين على الإبن بعد عودته من المدرسة، ويعتقد أن جوابهما بالنسبة له كافيا وقد يكون شافيا:
الأب: كيف كانت المدرسة اليوم؟
الإبن: جيدة!
الأب: وكيف كنت؟
الإبن: جيد!
وبحكم تعاملي مع تلاميذي الصغار بلغني أن أحد الآباء يطلب من أبنائه تحضير الواجبات المدرسية دون متابعة او توجيه منه بحجة أنه متعب ولا يريد سماع المزيد من الكلام!
ولكن متى كانت عملية الإعداد وتربية الأبناء سهلة! في اعتقادي أن العملية تسهل عندما يتحمل الجميع مسؤوليته على أكمل وجه.
إن جلوس الآباء مع الأبناء أثناء أداء الواجبات المدرسية يعزز من الترابط الأسري وينمي أواصر المحبة والألفة بينهم، وبالإمكان جعل التواجد والجلوس متقطعا ومتحركا، في المكان والزمان والاسلوب .. وباستطاعة الوالدين جعلها فترة ممتعة عن طريق تقسيم الوقت وتحفيز الطفل في الدخول معه في صفقة تنتهي بهدية أو وعد بفسحة لعب يقضيها مع أصدقائه المفضلين.
إن مرحلة الطفولة من أجمل مراحل الأبناء، وإن كانت متعبة تتسبب في تغيير نمط الحياة وساعات الراحة، لكنها ستمر سريعا ولا يبقى منها سوى الذكريات التي تمدنا وفي أحايين كثيرة بطاقة إيجابية لا حدود لها، فعندما تعود صورهم في الذاكرة تنشرح نفوسنا وترتسم على الشفاه بسمة شكر نحمد الله فيها على نعمة البنين.
************************************************************************************************************************************************************
الموضوع الآخر
مدارس النور والهدى العربية…إضاءة في سماء الهجرة
بقلم: الاستاذة بشرى الخزرجي Nov 2014
يشكل هاجس الإرتقاء بتربية وتنشئته الطفل النشأة الصالحة في ساحات المهجر الواسعة هماً وعبئا يدركه ويستشعر أهميته معظم الأسر العربية والإسلامية بضمنها الأسرة العراقية المهاجرة التي اتخذت من دول الاغتراب أوطانا لها ولأبنائها الذين قدر لهم العيش في كنف مجتمعات وثقافات متعددة المشارب والمذاهب .. أجيال تلو الأخرى، ولدت وتربت في أجواء وفضاءات تتباين وتتناقض في ما بينها من حيث البيئة والمحيط والعادات والتقاليد، فبدءاً من فترة الدوام المدرسي اليومي التي يقضيها الأولاد مع تلاميذ ومعلمين ومشرفين متنوعي الأطياف والأديان والثقافات انتهاءاً بالشارع واختلافه مع ثقافة وعادات البيت والعائلة مما يترك لمساته وآثاره الواضحة على سلوكيات العديد من أبنائنا الأعزاء.
من هنا جاءت ضرورة التركيز على تربية وتعليم أبناء المهجر وغرس القيم الإسلامية النبيلة والتقاليد الصالحة فيهم، وهذا كتابنا القرآن الكريم الذي يقدم لنا مناهج تربوية متكاملة من خلال سرد قصص الأنبياء والصالحين، وما أروعها من قصص شيقة ومعبرة تنير الدرب أمام الأجيال ، فلو نظرنا مثلا في شخصية لقمان الحكيم ووصاياه الجليلة التي سجلتها آيات سورة لقمان، لاستطعنا اقتناص المزيد من هذه التعاليم والعبر التي تدفع باتجاه حب الخالق، وحب الخير، وبناء الإنسان واحترام الغير، وبر الوالدين، والتواضع، والتراحم وغيرها من الدروس الأخلاقية والقيم التي تُعبّد الطريق امام تنشئة جيل صالح وأفراد مجتمع تسوده المحبة والتعاون فيما بين مكوناته، فالسورة الكريمة سلطت الضوء على أهمية علاقة الأبوين بأبنائهم والمبنية على مفهوم الاحترام المتبادل بين الابن ووالديه، على سبيل المثال، إن قوله تعالى: (وإذ قال لقمان لابنه وهو يعظه يا بني لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم).. يبين لنا الطريقة المثالية في كيفية الحوار البنّاء بين الأب وابنه، وبين المعلم والتلميذ، بين الراعي والرعية، ذلك الحوار المؤثر الذي يترك بصماته على صفحات النفس والمشاعر البشرية، فكلمة (يا بني) الرقيقة نراها تسبق عبارة الأمر بعدم الشرك (لا تشرك بالله) والتي يعقبها بعد ذلك ذكر السبب في النهي عن الشرك الذي يعده القرآن الكريم وعلى لسان لقمان الحكيم بالظلم العظيم للنفس والذي لا يرضاه الله لعباده.
وتأسيسا على ذلك فان الاهتمام بالطفل وتلبية احتياجاته من ملبس ومأكل ومسكن لائق يوفر له بيئة هانئة هادئة بين أحضان أبوين صالحين يقع في أولويات بل من صميم واجبات ومسؤوليات الوالدين ، إلا أن تلبية الضروريات الحياتية تلك، تقابلها حقوق لا تقل أهمية منها، ولا نبالغ إن قلنا أنها تفوقها أهمية لما لها من تأثير مباشر على الصغار وبناء شخصيتهم التي ينطلقون بها في المجتمع يؤثرون ويتأثرون، على اعتبار أن الحياة أخذ وعطاء.
لقد أدرك تلك الواجبات والحقوق العديد من أولياء الأمور في بلاد المهجر وراحوا يبحثون جادين في إنشاء مراكز ومدارس تأخذ على عاتقها مهمة تربية وتعليم أحبائنا الصغار، تربية أخلاقية سليمة منطلقة من مبادئ وهوية ديننا الحنيف وأعرافنا الاجتماعية الأصيلة، وتم بالفعل إنشاء الكثير من هذه المدارس والمؤسسات التربوية والتعليمية وقد انتشرت في معظم دول الاغتراب، ففي العاصمة البريطانية لندن وحدها يوجد ما يزيد عن 38 مدرسة ومركزاً تعليمياً تربوياً يهتم بالطفل المغترب واحتياجاته.
مدارس النور والهدى العربية
ومن اشهر هذه المؤسسات التربوية وأقدمها وأكثرها حضورا من حيث عدد الطلاب على الساحة البريطانية، هي مدارس النور والهدى العربية المعروفة لدى معظم العوائل العراقية والجاليات العربية والمسلمة المقيمة، إذ أنشئت هذه المدارس بجهود ذاتية وعلى أيدي شخصيات عراقية مؤمنة صالحة تملّكها وازع صيانة مستقبل الجيل الجديد، نذكر منهم الفقيد الأستاذ عبد الزهرة زوين (أبو حيدر) والدكتور عصام عجينة (أبو علا) والأستاذ اسعد شلال وغيرهم ممن تبنوا مسؤولية بناء شخصية الإنسان المهاجر وزرع الثقافة الإسلامية الواعية فيه.
وتعمل مدارس النور والهدى العربية منذ انطلاق تأسيسها في الثالث عشر من شهر أيار مايو العام 1989م كمشروع توعوي حضاري ليس له من وارد أو ميزانية أو دعم، اللهم الميزانية التي تعتمد على استحصال أجور التسجيل السنوية للطلاب وبعض المساعدات من قبل المؤسسات الخيرية، وبرغم قلة الإمكانيات المادية والضغوطات المترتبة عليها، تعمل إدارة هذه المدارس جاهدة على توفير فضاء وبيئة صحية لأبناء الجاليات الكبيرة، من خلال استئجار المدارس المناسبة والملائمة لهذا الغرض السامي، حيث تنقسم مدارس النور والهدى إلى قسمين، فمدرسة للبنات وأخرى للبنين تفتح أبوابهما للطلبة صباح كل يوم سبت، والبنايتان تقعان في منطقة واحدة قريبة من بعضها البعض، تحديدا في منطقة (كنزبري) الواقعة شمال غرب لندن.
مناهج تعليمية وأخرى تربوية
تستند مدارس النور والهدى العربية على مناهج تعليمية سهلة المنال وسلسة المعلومات والأسلوب، ففي مادة العربية هناك كتاب (قراءتي) المشوق، ولمادة الإسلامية كتاب عنوانه (الإسلام رسالتنا)، وكلا الكتابين في أجزاء عدة وحسب المراحل الدراسية، معدّان لفئات عمرية مختلفة بدءاً من سن الرابعة وحتى السادسة عشر.
ومن مميزات المناهج التربوية والتعليمية هذه، أنها تضع الطالب على الدرب الصحيح الذي ينبغي سلوكه في الحياة اليومية، من خلال منهج إسلامي تربوي متكامل يجعله واقفا على أمور دينه ودنياه، بما يضمن الحفاظ على هويته ومبادئ دينه.
كما إن من أهداف المناهج التعليمية في هذه المدارس أنها تعد الطالب لتقديم امتحان الـ (GCSE وA- Level ) باللغة العربية، وهما السنة الأخيرة لمرحلة الثانوية والأولى بالنسبة لمرحلة الإعدادية، حيث تقيد نتائجهما في سجل الطالب كعامل قوة ورصيد إضافي في دراساته اللاحقة.
التواصل المسؤول
تضع إدارة مدارس النور والهدى العربية إمكاناتها وان كانت متواضعة بين يدي طلابها وأولياء أمورهم مما يسهل عملية التواصل المستمر فيما بينهم، وذلك من خلال فتح مجالات التقارب المتعددة منها الاجتماعات الفصلية، والتواصل الدائم عبر الهواتف الخاصة بالأهالي، والموقع الالكتروني للمدارس وبرامجها، إضافة للأنشطة المدرسية والفعاليات والإحتفالات الموسمية التي تعنى بالمناسبات الدينية والأعياد مثل عيد الفطر وعيد الأضحى المبارك وعيد الغدير الأغر، وذكرى ولادة النبي محمد (ص) ، كما إنها تهتم بإقامة الدورات التعليمية أثناء العطل الصيفية وغيرها من الفعاليات كالسفرات المدرسية والمسابقات الرياضية، ومن جانب آخر تتولى المدارس وبالتعاون مع مؤسسة النور الخيرية للأيتام، دعم مشروع كفالة اليتيم العراقي، عبر ما يقدمه الطلبة وأولياؤهم من مساعدات مادية تجمع في صناديق مخصصة تحمل صور وأسماء أطفالنا الأيتام، إذ تصنف تلك الصناديق وفق الفئات العمرية لكل مرحلة دراسية، مما يشعر الطالب أن الهدية المادية التي يقدمها تذهب لمن هو في عمره، الأمر الذي يترجم معنى التلاحم بين أطفال الخارج والداخل، وفي حقيقة الأمر أن صندوق اليتيم يعد مناسبة طيبة تخلق تواصلا مسؤولا بين الطلاب في المهجر وأترابهم داخل العراق على الأخص أبناء العراق من الأيتام ، وهو إلى جانب العامل التربوي في دفع االتلاميذ نحو حب العطاء والتضحية ولو بالقليل من المال، فإنه يحفز فيهم الحس المسؤول نحو الوطن الأم وعدم التقاطع معه مهما بعدت المسافات.